القصة الكاملة || اليورانيوم: حين تتحول الذرّة إلى شيطان لا يُروّض !
![]() |
القصة الكاملة اليورانيوم حين تتحول الذرّة إلى شيطان لا يُروّض ! |
Follow @3nan_ma في عالم تتكاثر فيه الأزمات وتشتعل فيه الحروب من كل جانب، تظل الحقيقة الأكثر رعبًا هي أن الخطر الأكبر لا يأتي دائمًا من عدد الجيوش أو نوع السلاح، بل من عنصر صغير في حجمه، مرعب في أثره، غيّر وجه الأرض حرفيًا... [اليورانيوم].
ما بين مشاهد الدمار في هيروشيما، وتهديدات إيران وإسرائيل، ومخاوف الشرق الأوسط من اندلاع حرب نووية شاملة، يتجدد الحديث عن هذا العنصر الكارثي، وتتضاعف الأسئلة:
من أين بدأ كل شيء؟
كيف تحوّل هذا المعدن الصامت في باطن الأرض إلى وحش نووي يتربّص بالبشرية؟وهل ما زال العالم فعلاً قادرًا على السيطرة عليه، أم أننا على أبواب "انشطار جديد" لا يُبقي ولا يذر؟ نستعرض في هذا الوثائقي والمنتقى بعناية للقراء، رحلة الذرّة التي تحوّلت إلى سلاح دمار شامل، بمادة من إعداد الكاتب Follow @HanthlPro وتصميم بصري منFollow @Dothir، لتقديم واحدة من أكثر القصص خطورة وتأثيرًا على تاريخ البشرية.
نعم إنه أخطر عنصر موجود بالكوكب، وأكبر تهديد لسلامة الحياة على الأرض، وسبب الصراعات والحروب الأخيرة بين الدول، والسر خلف أعنف سلاح وأقوى طاقة عرفها الانسان!..
إنه [اليورانيوم]كيف أصبح كذلك؟! الفصل - 1 - الذرة
في البداية، لازم نعرف أمر أساسي كل ما نشاهده في الكون متشكل من شيء يُدعى الذرات ، الذرات موجودة في الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي تشربه، وصولاً للكواكب، والنجوم، وحتى جسد الإنسان ذاته
كل شيء مصنوع من مليارات الذرات. وأي تغيّر ضئيل في تركيب الذرات ولو بقدر ذرة واحدة.. ممكن يغير شكل المادة وخواصها بالكامل!
الذرة قطعة صغيرة جدًا لا تُرى بالعين ويوجد جزء أصغر بداخلها يسمّى (النواة)وكذلك داخل النواة يوجد 3 جُسيمات صغيرة:
- - بروتون
- - نيوترون
- - إلكترون
هذه الجسيمات موجودة في النواة بأعداد مختلفة تُحدد ماهية المادة في النهاية
خذ مثال..
- ذرة الحديد (Fe)
- فيها 26 بروتون
- ولكن ذرة الأكسجين (O)
- فيها 8 بروتون
بمعنى إن كل ذرة من العناصر لها أعدادها الخاصة.. وهي ما تحدد بالنهاية طبيعتها
في بدايات القرن العشرين بعد ما العلماء اكتشفوا الذرة ومكوناتها جاء الفضول البشري المعتاد.. هل ممكن نلعب بالذرة ونغيرها؟
حصل هذا الأمر فعليًا سنة 1919.. العالم (إرنست رذرفورد)جاب ذرة نيتروجين، وضربها بجسيمات ألفا، وتحولوا إلى ذرة أكسجين!هذه كانت أول مرة في التاريخ يتم فيها تحويل عنصر إلى عنصر ثاني بشكل مقصود!
وتطور الأمر لفهم أمور كانت (أسطورية) وصارت حقيقة مثل تحويل الرصاص أو الحديد إلى ذهب الأمر ممكن عمليًا ولكنه مكلف أكثر من الذهب نفسه!
كلنا نعرف الجدول الدوري هو ترتيب لكل العناصر اللي نعرفها في الكون
كان يشمل في البداية الجدول عناصر موجودة في الطبيعية فقط، مثل:
الهيدروجين، الكربون، اليورانيوم،ولكن مع لعبنا في نواة الذرة قدرنا نصنع أو نكتشف عناصر جديدة، مثل:البلوتونيوم، النبتونيوم، وغيرها..
من هنا ظهر تخصص أو علم جديد اسمه: "الهندسة النووية"ووعينا إنه علم ممكن يغير مستقبل العالم بالكامل تحديدًا في عام 1938..
ويوم أصبحت التجربة الأخطر والأغرب على الإطلاق!▪️التجربة كانت على ذرة عنصر [اليورانيوم]
الفصل - 2 - اليورانيوم
ما هو اليورانيوم؟
عنصر طبيعي موجود على الأرض، ويمكن استخراجه من الصخور.. عرفوه البشر من زمان وكانوا يستخدمونه لتزيين الأواني والأكواب لأنه أحيانا ينوّر
مع مرور الزمن، لاحظ الناس إن الأشخاص إللي يتعرضون لليورانيوم لفترات طويلة يموتون في سن صغير ولأسباب مجهولة.. بل كان سببًا أيضًا في وفاة العلماء.. مثل العالمة الشهيرة "ماري كوري" (
هذا أدى لاستنتاج إن اليورانيوم يُطلق أشعة غير مرئية ضارة على الانسان وقد تقتله ومن هنا بدأ الجميع يفهم مصطلح جديد وخطير وهو: الإشعاعات

(ماري كوري عالمة فيزياء وكيمياء أول امرأة تفوز بجائزة نوبل، والوحيدة التي نالتها في مجالين مختلفين (الفيزياء والكيمياء). وأسهمت في فهم النشاط الإشعاعي، مما أحدث ثورة في العلوم والطب وتوفت بسبب الاشعاعات وحتى اليوم لا تلمس مذاكراتها الا بوقاية لأن آثار الاشعاع لا تزال باقية بها)
كل هذه الأمور الغريبة في عنصر اليورانيوم.. أعطت العلماء حماس ودافع للتجربة عليه...كان ذلك مثل ما قلنا في عام 1938.. جاء عالمين من ألمانيا (أوتو هان وفريتز شتراسمان)جربوا يطلقون نيوترون في ذرة اليورانيوم وإللي حصل إن الذرة انقسمت وانشطرت لنصفين!
هذا الانشطار ما كان عادي أبدًا،لأن في اللحظة اللي انشطرت فيها الذرة، طلع معها كمية طاقة كبيرة وأقوى بكثير من الطاقة اللي ممكن نطلعها من أي مصدر آخر عرفه البشر سابقًا مثل الفحم أو النفط أو حتى المتفجرات.
هنا استوعبت البشرية إنها اكتشفت نوع جديد من الطاقة وهي "الطاقة النووية"
مع اكتشافنا لهذا النوع من الطاقة، ظهرت نظرية خطيرة: لو جبنا كميات من ذرات اليورانيوم، وأطلقنا عليهم نيوترون وتركنا التفاعل يستمر وينتشر بينهم بشكل متسلسل بدون توقف.. ما الذى يحدث ؟،غالبًا بتكون فيه طاقة مُرعبة بسبب انشطار الذرات المتكرر وإذا ما تم السيطرة عليها ستتحول لطاقة تدميرية!
وبالصدفة، في نفس الوقت تقريبًا (سنة 1938) اشتعلت الحرب العالمية الثانية!وقتها فهمت الدول الكبرى إن "الطاقة النووية" ممكن تكون السلاح الحاسم اللي يغيّر نتيجة الحرب بالكامل!
ومن هنا بدأ سباق خطير:سباق صناعة قنبلة من هذه الطاقة..
الفصل - 3 - تخصيب اليورانيوم
مع أجواء الحرب العالمية المشحونة :- تدخل العالم الكبير "ألبرت أينشتاين" في هذا الصراع.. وأرسل رسالة للرئيس الأمريكي وقتها "فرانكلين روزفلت"
يطلب منه التحرك بسرعة، لأن ألمانيا النازية قد تكون على وشك تطوير قنبلة باستخدام اليورانيوم!.. ويجب أن تطور أمريكا هذه القنبلة أولًا!
وبدأت أمريكا بالسر في تطوير ما يُسمى "القنبلة النووية"
والشخص الذي تم تكليفه لإدارة الأمر هو:
◾️العالم الفيزيائي الشاطر: روبرت اوبنهايمر
أوبنهايمر قاد أقوى مشروع في التاريخ..
والذي عُرف لاحقًا باسم "مشروع مانهاتن"
المشروع ضمّ أكثر من 130 ألف شخص!
وجميعهم تقريبًا ما كانوا على علم إنهم شغالين على تطوير سلاح دمار شامل!
الهدف من المشروع كان شيء يبدو مستحيل
والسبب لأن عنصر اليورانيوم (235) الذي ينشطر نادر جدًا..
وعند استخراجه في كتلة من الصخور تكون نسبته (0,7% فقط) وباقي النسبة (99.3%) شوائب ،وعشان تحتاج طاقة نووية تدميرية لازم نسبة يورانيوم 235 تكون على الأقل 80%!
لتبسيط الأمر هذه صخرة اليورانيوم الخام تتشكل من نوعين:
- يورانيوم U-235 يمثل منها (0,7%) هو المطلوب والقابل للانشطار
- يورانيوم U-238 يُمثل (99.3%) يعتبر شوائب وغير قابل للانشطار
والهدف بدقة.. هو عزل العنصرين من بعض كأنك تبحث عن إبرة وسط بحر ، هذه العلمية سموها: تخصيب اليورانيوم
عملية تخصيب اليورانيوم هي إلي منعت كل الدول المتسابقة مع أمريكا تحصل على القنبلة قبلها لأن خام اليورانيوم موجود ولكن فصل عناصره هو الصعب..
كيف يتم تخصيب اليورانيوم؟
أول شيء، يحوّلون اليورانيوم إلى غاز ثم يدخلون هذا الغاز في أنابيب تدور بسرعة عالية جدًا اسمها: أجهزة الطرد المركزي
هذه الأجهزة تستطيع طرد الذرات الأثقل وتحتفظ بالذرات الأخف:
- - الذرات الثقيلة (U-238) تطير للخارج بفعل القوة
- - الذرات الأخف (U-235) تبقى
ويعيدون العملية مرات عديدة حتى يستطيعون الحصول على كمية من يورانيوم U-235 تبلغ (80%) والباقي (20% شوائب)
الفصل - 4 الأخير - نتيجة اليورانيوم
إللي حصل إن أوبنهايمر، بعد شهور من العمل والتجارب،
قدر يجمع حوالي 64 كيلوجرام من يورانيوم مُخصّب بنسبة 80٪
وحطهم في أسطوانة طولها متر تقريبًا هذه الأسطوانة هي القنبلة أصلًا !
ألية عمل القنبلة تحدث عن إلقاء الأسطوانة من الأعلى (الجو) يندفع اليورانيوم بداخلها في بعض ويتفاعل حتى يحصل الانفجار قبل الاصطدام و اُطلق على هذه القنبلة: الولد الصغير (Little Boy)وكانت تجربتها الأولى فعليًا على مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945
مدينة هيروشيما كان يعيش فيها 300 ألف ،القنبلة لما تفجرت فوقها قُتل على الفور 70 ألف والقريبين من الانفجار تبخروا !
لاحقا تضاعف عدد الضحايا بسبب الاشعاعات لأن كمية اليورانيوم بالقنبلة كانت مرعبة.. تم إبادة نصف سكان المدينة بطلقة واحدة من هذا السلاح
- أنميشن يُحاكي إلقاء القنبلة
عدد اليورانيوم إللي كان في القنبلة يزن 64 كيلو، ولكن يُقال إن اليورانيوم المنشطر اثناء الانفجار بلغ فقط 1 كيلو وكان كفيل لإحداث الانفجار
هذا الانفجار عادل 15,000 طن (TNT).. كأنك ألقيت أضخم قنبلة تقليدية (MOAB)1300 مرة!
منذ تلك اللحظة استوعبت البشرية "الطاقة النووية"
وإلى هذا اليوم محاولة استخدام هذه الطاقة حتى سلميًا محظور على معظم دول العالم، وفي حال حصل يشمل رقابة وتفتيش دائم، وغير مسموح أنّ تبلغ كمية تخصيب اليورانيوم اكثر من 5%!
أوبنهايمر، الرجل الذي فتح للعالم الملف النووي، قال يومًا والدموع على عينه:
"الآن لن يكون العالم كما كان.. الآن أصبحت الموت.. الآن أصبحت مدمّر العوالم."
وفى النهاية تعليقا على ما سبق :-
اليورانيوم ليس مجرد عنصر، بل هو خط فاصل بين العلم والحماقة، بين التقدّم والانتحار الجماعي.
اليوم، ومع تصاعد التوترات النووية، وتضارب مصالح الدول، وتحول الطاقة الذرية إلى أداة تهديد وضغط، يجب على البشرية أن تتوقف وتراجع نفسها.
- نطالب بوقف إنتاج وتخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية
- وتفكيك الترسانات النووية الحالية دون استثناء
- ووضع رقابة دولية صارمة وشفافة على كل نشاط نووي، مهما بدا سلميًا
فالعالم لا يحتاج مزيدًا من "الولد الصغير"، بل يحتاج قدرًا أكبر من الحكمة قبل أن يتحول إلى رماد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش - مرجعيات
تحوّل النيتروجين إلى أكسجين في آزرة عام 1919–1920، قام إرنست رذرفورد بقصف غاز النيتروجين بجسيمات ألفا (نواة الهيليوم)، ما أدى إلى انبعاث بروتون وتحول النيتروجين إلى أكسجين chemteam.info+5en.wikipedia.org+5wired.com+5en.wikipedia.org+12en.wikipedia.org+12daviddarling.info+12.اكتشاف انشطار اليورانيوم (1938)اكتشف أوتو هان وفريتز شتراسمان في ديسمبر 1938 في معهد كايزر فيلهلم ببون، عند قصف اليورانيوم بنيوترونات، تراكيب جديدة كانت في الواقع من الباريوم، مما أظهر انشطار النواة .حالة ماري كوري والأشعاعاتتوفيت ماري كوري في 4 يوليو 1934 بفقر دم خلوي (aplastic anemia) نتيجة التعرض الطويل للأشعاع. حتى دفنت في تابوت مبطّن بالرصاص بسبب بقايا النشاط الإشعاعي labsafety.org+3iflscience.com+3barrybill.org+3.قنبلة "الولد الصغير" Little Boyتحتوي القنبلة المصنوعة من يورانيوم مخصّب على 64 كجم، لكن أقل من 1 كجم خضع للانشطار النووي nsarchive.gwu.edu+3wecanfigurethisout.org+3large.stanford.edu+3historyextra.com+2en.wikipedia.org+2wecanfigurethisout.org+2.انفجارها أطلق قوة تعادل 13–15 كيلوطن من الـ TNT، فقتل ما بين 70,000 إلى 140,000 شخص بنهاية عام 1945 historyextra.com+5ahf.nuclearmuseum.org+5newworldencyclopedia.org+5.
تعليق واحد
ما قبل الكارثة: كل شيء في الكون مكوَّن من ذرات، وتغييرات بسيطة فيها قد تؤدي إلى نتائج ضخمة. في 1919، نجح العلماء بتحويل عنصر إلى آخر، ما فتح الباب لفهم الهندسة النووية.
اليورانيوم والإشعاعات: كان يُستخدم قديمًا للزينة، لكن تبيّن أنه يُصدر إشعاعات قاتلة. وفاة العالمة ماري كوري بسبب تعرضها له كشفت مخاطره الصحية.
لحظة التحوّل: في 1938، اكتشف العلماء إمكانية شطر ذرة اليورانيوم مما أطلق طاقة هائلة، وبهذا وُلدت "الطاقة النووية".
سباق القنبلة: أينشتاين حذر أمريكا من أن ألمانيا النازية قد تطوّر قنبلة نووية، فبدأ "مشروع مانهاتن" بقيادة أوبنهايمر لإنتاج أول قنبلة.
التخصيب والتفجير: تم تخصيب اليورانيوم بنسبة 80% بصعوبة بالغة، وصُنعت قنبلة "الولد الصغير" التي دمرت هيروشيما عام 1945، وقتلت عشرات الآلاف بلحظة.
الرسالة النهائية: اليورانيوم ليس مجرد عنصر بل رمز لمدى قدرة العلم على الدمار إن أُسيء استخدامه. ويدعو المقال إلى نزع الأسلحة النووية عالميًا وفرض رقابة صارمة حتى على الاستخدامات السلمية.